هل يخشى المواطن العربي حقا مراقبة الإنترنت؟

-A A +A

طرحت وزارة الداخلية‭‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬المصرية كراسة الشروط ومواصفات فنية لمشروع "منظومة قياس الرأي العام"، ويهدف المشروع لرصد "المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي". وأفادت التقارير بأن 7 شركات عالمية قد قدمت بالفعل عروضا لتنفيذ المشروع.

وبينما يلقى القرار معارضة من بعض النخب، إلا أنه قد لا يثير الرأي العام لدى المستخدمين على أرض الواقع اليوم، وذلك لعدة أسباب. أولها أن الوضع اختلف كليا عن ما كان قبل فضائح التجسس الإلكتروني لحكومات دول توصف بالديمقراطية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا على مواطنيهم وعلى الدول الأخرى وحتى على قادة دوليين مثل أنجيلا ميركل وديلما روسيف.

ومن الواضح أن هناك عالما مثاليا كان يتخيله المستخدم قد انهار ودخلنا إلى حقبة "ما بعد تسريبات إدوارد سنودن" في تاريخ الإنترنت. حتى برنامج "دعم حرية الإنترنت" الرسمي الذي يوفره مكتب دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال الحكومي الأمريكي وانخفضت ميزانيته بعد تنامي لسنوات من عشرات الملايين من الدولارات إلى 8 مليون دولار فقط هذا العام. واستغلت الصين الجدل لتحكم قبضتها الحديدية على الإنترنت بشكل كامل داخل أراضيها. فالآن أصبح في عداد المستحيل للحكومات الغربية أن تضغط بدروس في احترام الخصوصية على الإنترنت بعدما ثبت انتهاكها الواضح لتلك المبادئ.

السبب الثاني هو أن الرأي العام في مصر سيدعم كل ما يمكن أن يوقف العمليات الإرهابية التي تؤدي إلى شعور بانعدام الأمن وركود اقتصادي وعزوف سياحي واستثماري ينهك المجتمع. وفي الجرائم الإرهابية على وجه التحديد تبرز أهمية المعلومات في منع الجريمة قبل وقوعها، على الأقل نظريا حيث لم يثبت أن برنامج المراقبة الأمريكي الضخم قد مانع حدوث أي هجمات بعد. وأكد وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم عبر وكالة أنباء الشرق الأوسط أن "النظام الجديد لن يؤثر من قريب أو من بعيد على حرية الرأي والتعبير وتقف حدوده عند مخالفة القانون في إطار من التوازن الدقيق بين أمن الوطن وحرية المواطنين."

كما أثبتت التجربة العملية أن المستخدم لا يضع الخصوصية على رأس اهتماماته، فهو يسمح للمواقع والتطبيقات مثل فيسبوك وواتساب وحتى بعض الألعاب الإلكترونية أن تسجل كميات هائلة من المعلومات عنه من موقعه الجغرافي ومحادثته الشخصية إلى صور أطفاله وتاريخ تصفحه على الإنترنت. وهو الآن على وعي كامل بأن تلك الشركات ستحلل هذه البيانات وتحتفظ بها للأبد وتبيعها بالجملة للمعلنين وتسلمها إلى أي حكومة غربية قد تطلبها، فلا يستعجب أن تحاول قوات فرض القانون في بلاده استخدامها.

لكن الأهم على الإطلاق هو أن تقتصر المراقبة على أهدافها المشروعة وألا تحيد عنها. فإذا نظر إليها كوسيلة حديثة لضبط الجرائم الجنائية الموجودة في القانون بالفعل، فلا ضرر ولا ضرار. أما إذا تم ابتكار اتهامات جديدة أو استخدام المنظومة لتحقيق أهداف شخصية لأحد القائمين عليها بعيدة عن الصالح العام، قد ينفر منها المستخدمون. لكن ميكنة العملية كما تنوى وزارة الداخلية المصرية في حد ذاته يعد ضمانة لتفادي ذلك. فمباحث الإنترنت موجودة وعلنية في مصر منذ أكثر من عقد من الزمان، ويعتمد عملها على التدخل البشري بشكل كبير سواء من قبل المحققين أو ببلاغات المواطنين. أما استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق ذات الغرض سيوفر ميزتين: الأولى هي انحسار خطر الحياد عن روح القانون والدستور بتقليل العامل البشري، فالنظام الإلكتروني يبرمج بقواعد لا يخالفها. الميزة الثانية هي مواكبة زيادة عدد المستخدمين الهائلة عاما بعد عام، فتأخر الأمن تقنيا عن العنصر الإجرامي مطلب غير مسئول ولا تحمد عقباه!

http://www.itp.net/arabic/598519